ضيعة ضايعة

هل كوميديا ضيعه ضايعه هي (عائلة سيمبسون) سوريا؟

اعتاد متابعو هذا العمل الفكاهي “ضيعة ضايعة” تكرار مشاهدته من دون ملل ولا كلل من خلال التلفاز او مواقع التواصل الاجتماعي مع تداول الناشطين مواقف أبطاله المضحكة، حكاياته ترصد قصص أناس بسطاء لا يرتبطون بزمان ومكان محددين، لتكون أقرب إلى الفنتازيا الكوميدية، يعيشون في قرية تتربع بأعالي جبال الساحل في قرية “السمرا” بمحافظة اللادقية وهي مطلة بكامل بهائها على البحر الابيض المتوسط، حيث اصبحت مزارا للسياح بعد عرض المسلسل للاستمتاع بجمال طبيعة المكان.

وبحلقات متصلة منفصلة يدور بقرية اسمها “أم الطنافس الفوقا”، وهي الناجي الوحيد من ثورة التكنولوجيا الحديثة كثير من المواقف المضحكة لكنها تحمل بين طيات حلقات المسلسل مفاجآت للجمهور قبل عقد من الزمن، هي اليوم بعد كل تلك السنوات أقرب إلى التنبؤات، وتلاشى الخط الفاصل بين كوميديا “ضيعة ضايعة” والواقع المعاش حتى أضحت تلك المواقف بفعل الصدفة الدرامية والواقعية بمثابة “تنبؤات”.

تطابق شديد مع الواقع

وبعد تدقيق في أحداث المسلسل يمكن رصد العديد من أحداث العمل ومقاربتها مع الواقع، وفي هذا السياق لا بد من استذكار ما أثارته المعركة الانتخابية للفوز بمنصب نقيب الفنانين الذي كان يشغله الراحل زهير رمضان وأدى دور (المختار البيسة)، والفنان فادي صبيح “سلينغو” بالعمل نفسه أيضاً، وحدثت بعدم توقف المناكفات وتكرراها بين نجمي العمل مختار ام الطنافس الفوقا، و سلينغو الراغب بخطبة ابنة المختار في “الضيعة”، في حين أن الأخير لا يرغب بارتباط ابنته بذلك الشاب إلا بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة (البكالوريا ) على الرغم من توسط كل أهل الضيعة لخطبتها كما شاهدنا في حلقة العريس.

وأثناء ذلك تدور قصص من الحب العذري بين الشاب والفتاة وجولات من ملاحقة المختار لهما، وللمصادفة أن الفنانين نفسيهما بالواقع خاضا أيضاً انتخابات النقابة في سوريا، إذ شكل الفنان فادي صبيح منافساً شرساً لتولي وانتزاع منصب نقيب الفنانين من الراحل زهير رمضان، ولم يستطع قبل أن توافيه المنية في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2021 ، وهذا الدور ذاته تابعه الناس بإعجاب، إذ يصارع ا سليم المختار أملاً بانتزاع منصب المختار منه بانتخابات الضيعة وفشل ويمكن متابعة ذلك في حلقة واسطة ج1.

ويحلو لمؤلف العمل الدكتور ممدوح حمادة اعتبار التطابقات مع الواقع توقعات وصلت للجزء الثاني ويجزم الكاتب حمادة أن “بعض الأشياء التي حدثت وتطابقت مع ما يحدث الآن كانت لها مقدمات في الواقع قمت بالبناء عليها، أو حدثت بشكل مصغر في يوم من الايام فجعلتها في العمل أحداثاً مركزية”.

وجاءت نهاية العمل المأساوية والصادمة للجمهور تتطابق مع ما تعيشه البلاد من مأساة الحرب بعد العام 2011 حيث ظهرت الضيعة خاوية في نهاية المسلسل بكل بيوتها بعد استنشاقهم مواد كيم.ـاوية سامة وموت جميع أهل الضيعة ، بينما الرياح العاتية تعصف بالبيوت وتنتزع النوافذ وتضرب الضيعة عن بكرة أبيها، هذا المشهد لا يمكن أن يتخيل حدوثه المشاهد السوري قبل العام 2010 والتي نعمت بلاده بالأمان، لكنه بات مشهداً مألوفاً لكثير من القرى الفارغة من دون سكانها بعد نزوحهم منها تفادياً لأهوال الحرب الدائرة.

وعن هذه النهاية المحزنة يقول الكاتب حمادة، “بالنسبة إلى النهاية المأساوية فقد جاءت في الجزء الثاني الذي أعتقد الآن أننا نعيشها، ولكنها تستغرق في الواقع زمناً أطول لتحدث وربما لاتحدث”.

الفانتازيا الكوميدية

على صعيد آخر يوضح الكاتب ممدوح حمادة التساؤلات حول مسلسل “ضيعة ضايعة” ومقارنته بالمسلسل الأميركي الشهير “عائلة سيمبسون” لجهت تنبؤه بالأحداث، ويقول “لا أعرف علام اعتمد المسلسل الأميركي في تنبؤه بالمستقبل، لكن في ضيعة ضايعة كانت التوقعات مبنية على واقع من الطبيعي أن تكون نتائجه هكذا، وهناك بعض الحالات كانت بذورها موجودة في الواقع، أما التفاصيل التي تشبه ما حدث في المستقبل مثل صراع زهير رمضان في انتخابات النقابة فهي مصادفات لا أكثر”.

وكان من المفاجئ أن تخرج تظاهرة في بلاد عاشت عقوداً من الاستقرار السياسي، إلا أن المسلسل عرض قبل الازمة السورية حيث شاهدنا خروج مظاهرة في ضيعة ام الطنافس للمطالبة بحقوق مدنية “حماية الاراضي من الغمر”، وهو أمر واجهته السلطات بالقمع عبر إظهار العمل الكوميدي سلطات وأفراداً من قوات حفظ النظام تعمل على فض التظاهرة، لكن الأمر الأكثر إثارة هو ما حدث أخيراً حين جعل الشارع السوري برمته يستعيد مشاهدة إحدى حلقات الضيعة بعد صدور قرار من الحكومة برفع الدعم عن السلع الغذائية والمحروقات والمازوت ، واستبعاد عائلات بحسب تصنيفات وضعتها اللجنة الاقتصادية مع بداية شهر فبراير (شباط) من هذا العام، وكان المسلسل توقع إرسال الحكومة مبعوثاً للوقوف على أحوال الأهالي وفرز من يستحق أن تمنحه ليترات عدة من مادة المازوت، الأمر الذي لم يكن وارداً قبل الحرب حدوثه لتوفر المادة بكثرة.

ويؤكد كاتب العمل عدم الخوض بتجربة الجزء الثالث بغية الحفاظ على نجاح العمل، “المحافظة على النجاح أمر صعب، والأصدقاء الذين يدعون لأجزاء أخرى سيهاجمونك بلا رحمة في حال فشل جزء من الأجزاء، ولن يتغاضى أحد عن فشلك”. وختم، “أنا متأكد أن العمل كان من الصعب أن يستمر بالزخم نفسه، وأن الجزء الثالث كان سيصبح بداية الانحدار، ولهذا فمن الأفضل الوقوف في مكان يشرف على السهل بدل التدحرج إلى أسفل الوادي” د.ممدوح حمادة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى